الأربعاء، 11 يوليو 2012

الزكاة و الصدقات

الزكاة و الصدقات
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم و لن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلا بما يصنع أغنياؤهم " . [ رواه الطبراني في الأوسـط الصغير عن علي كرم الله وجهه ] و قال : " لا صلاة لمانع الزكاة _ قالها ثلاثاً _ و المتعدي فيها [ المتعدي فيها : هو الذي يدفعها لغير أهلها ] كمانعها " . [ رواه ابن عباس في مسند الإمام الربيع ] لقد أثبتت الدراسات و التجارب في دول العالم _ و لا سيما الدول الكبرى _ أن الحد من ظاهرة التضخم المالي تتطلب اتباع سياسة منهاج الإسلام و تشريعاته … و أن الزكاة تلك الفريضة الإسلامية التي تدعو للتقارب بين طبقات الأغنياء و الفقراء هي وسيلة ناجحة للمساعدة على الحد من التضخم المالي ، حيث إن الزكاة عند\ما تعطى للفقراء تعتبر انتقالاً للمنفعة المالية ، و بالتالي تزيد القيمة الحقيقية للمال ، لأن المال عندما يزيد مع الفرد تبعد القيمة النقدية لديه عن حد المنفعة ، فيستخدم كثيراً من المال في كماليات هذه الحياة ، على العكس من الفرد الذي يمتلك ملاً أقل فهو ينتفع بكل أمواله في الاتجاه الصحيح قدر الإمكان … و هكذا عندما ينتقل المال بهذه الصورة من الغني إلى الفقير ، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة القيمة الحقيقية للنقد … و هذا معناه الحد من التضخم . و الزكاة _ أيضاً _ تؤدي إلى النمو الاقتصادي للفرد ، حيث إن الإسلام قد رفض اكتناز المال ، بل حارب أصحابه حين قال : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) } [ سورة التوبة : الآية 34 ] و بذلك تدفع الزكاة أصحاب المال لاستثمار أموالهم ، حتى تدر عائداً يمكنهم من أداء تلك الفريضة ، و إلا تأكل رأس المال بلا نفع أو جدوى . و لذلك حث الإسلام على استثمار المال في العمل و الإنتاج ، لأنه سيعود على المجتمع كله بالقوة و الثراء ، لأن تنمية المال بالاستثمار ستزيد من عدد المنتفعين بالزكاة و الصدقات فضلاً عن إتاحة فرص عمل جديدة و دخول إضافية لمن يعملون في ماله ، و بالتالي يعود النفع على صاحبه و على المجتمع لأن احتياجاته ستصبح موفورة . و من ثم فقد أباح الإسلام لولي الأمر أن يتدخل للحيلولة دون تعطيل الأموال و توجيهها إلى فرص الاستثمار … و هناك التطبيق العملي لهذا الحق و الذي يتمثل في موقف عمر بن الخطاب من أرض العتيق التي أقطعها رسول الله صلى الله عليه و سلم من أهمل استزراعها ، فاستعاد منه عمر ما لم يقدر على استزراعه ، و وزعه على من يقدر من المسلمين على إحيائه … و عمر بن الخطاب يستند في ذلك إلى حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ليس لمتحجر حق بعد ثلاث سنين " . [ رواه أبو عبيد في الأموال ( فقه السنة ) ] ففي ذلك بيان تشريعي يدعو إلى عدم تعطيل المال المتمثل هنا في أرض زراعية لم يستطع من اقتطعت له أن يستزرعها و يستفيد و يفيد المجتمع منها . و لقد أثبت علم الاقتصاد الحديث أن فلسفة الزكاة تعتمد على ظاهرة اقتصادية هامة و هي " تناقص الميل الحدي الاستهلاك ، و تزايد الميل الحدي للادخار " عند الأغنياء و بالعكس " تزايد الميل الحدي للاستهلاك ، و تناقص الميل الحدي للادخار " عند الفقراء … و يترتب على تلك الظاهرة زيادة الطلب الفعال ، كما ذهب إلى ذلك عالم الاقتصاد الكبير " كينز " و محصلة ذلك انتعاش اقتصادي سواء من ناحية الاستهلاك أو الاستثمار . و هذا الانتعاش يكون مانعاً من الوصول إلى حالة الركود الاقتصادي الذي يترتب على زيادة المدخرات و نقص الاستثمار و قلة الطلب الفعال ، إذ أن الزكاة تقلل من انسياب الأموال بشدة إلى مجرى الادخار و تحول جزءاً منها إلى مجرى الاستهلاك ، الأمر الذي يمنع من الركود الاقتصادي أو يعمل على تخفيضه … فعند تدقيق النظر في جوانب إنفاق الزكاة نجد أن لها آثاراً اقتصادية حميدة ، فمثلاً الفقراء و المساكين و هم من أوائل المستحقين للزكاة ، عندما يعطون نصيبهم من الزكاة فإنهم سوف ينفقونها في قضاء حاجاتهم الاستهلاكية ، سواء أكانت سلعاً أم خدمات ، و بذلك يدعمون تيار الاستهلاك … و المعروف اقتصادياً أن زيادة الاستهلاك تؤدي إلى الاستثمار . [ " الآثار الاقتصادية للزكاة " : د . إبراهيم فؤاد محمد : بحث منشور بمجلة الوعي الإسلامي عدد فبراير 1976 ( بتصرف ) ] هذا و للزكاة خصيصة هامة ، و هي أنها لا تخرج إلا بعد تكامل النصاب … أي بعد أن يكون فائضاً عن الحاجات الأصلية للمكلف … حيث إنها لو وجبت بدون اشتراط النصاب الفائض عن الحاجات الأصلية : لكان معنى ذلك أنها تدفع من وحدات الدخل الأولى المخصصة للحاجات الأساسية للشخص ، و هي ذات منفعة أكبر من وحدات الدخل الأخيرة ، و بذلك تكون الخسارة أكبر على دافع الزكاة و بالتالي على المجتمع ، و لكن اشتراط توافر النصاب زيادة عن الحاجات الضرورية يجعل الزكاة تخرج من وحدات الدخل الأخيرة ذات النفع الأقل للغني في مفهوم الزكاة ، و تئول إلى الفقير الذي تزداد عنده منفعة الوحدات الأخيرة من الدخل بالمقارنة بالغني ، و النتيجة النهائية هي زيادة المنفعة الكلية للمجتمع . و من الإعجاز التقديري للزكاة كوسيلة من وسائل إعادة توزيع الدخل و تذويب الفوارق بين الطبقات _ إنها تفرض في جميع الأموال النامية تقريباً _ فهي قد فرضت أصلاً في النقدين الذهب و الفضة ، و الحلي إذا خرجت عن الحدود المعقولة للتزين ، أو اقتنيت بقصد الادخار أو بقصد الفرار من الزكاة … و في هذه الأحوال تجب فيها الزكاة . كما فرضت الزكاة أصلاً في عروض التجارة و الماشية و الزرع و الثمار … و بعد ذلك ظهرت أوراق البنكنوت كبديل للذهب ، و بذلك وجبت فيها الزكاة . و من ذلك يتضح أن الزكاة تتسم بعموميتها و شمولها لجميع أنواع الأموال تقريباً ، و بذلك تكون قاعدة تطبيقها متسعة بحيث تساعد على إعادة توزيع الدخل و الثروة . و كذلك تتسع قاعدة فرض الزكاة لتشمل عدداً كبيراً من الأشخاص ، مما يوسع من قاعدة المكلفين أداءها ، فضلاً عن اعتدال نسبتها ، إذ هي 2.5 % من الأموال و 5 % أو 10 % على الزروع إن كانت تسقى بالآلات أو غيرها و من الحكمة البالغة في تقدير الزكاة أنها لا تكون مرة واحدة في العمر ، بل إنها تتكرر سنوياً ، و هذا ما يجعلها أداة دائمة في إعادة التوزيع … و هذا ما نادى به الاقتصاديون في العصر الحاضر من ان إعادة التوزيع يجب أن لا تقتصر على مرة واحدة ، بل يجب أن تجري على فترات دورية … و الإسلام عندما حدد مصارف الزكاة لبعض الطوائف لم يقررها إلا بعد أن تستنفد هي وسائلها في الارتزاق ، و مع أنه جعل الزكاة حقاً لا منحة و تفضلاً ، فإنه لم يغفل أن اليد العليا خير من اليد السفلى ، لذلك حث على الاستغناء عن طريق العمل … و في هذا جمع الإسلام بين الحرص على أن يعمل كل فرد ، و بين أن يعين المجتمع المحتاج بما يسد حاجته و ييسر له الحياة الكريمة . [ " الآثار الاقتصادية للزكاة " : د . إبراهيم فؤاد محمد : بحث منشور بمجلة الوعي الإسلامي عدد فبراير 1976 ( بتصرف ) ] © All rights are reserved - 2001 Powered by Rainbow software

ليست هناك تعليقات: