الأحد، 5 ديسمبر 2021

من سورة سبأ

 تفسير اية رقم ٢٤_٢٧ 

من سورة سبأ 

﴿۞ قُلۡ مَن یَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّاۤ أَوۡ إِیَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ (٢٤) قُل لَّا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّاۤ أَجۡرَمۡنَا وَلَا نُسۡـَٔلُ عَمَّا تَعۡمَلُونَ (٢٥) قُلۡ یَجۡمَعُ بَیۡنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ یَفۡتَحُ بَیۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَهُوَ ٱلۡفَتَّاحُ ٱلۡعَلِیمُ (٢٦) قُلۡ أَرُونِیَ ٱلَّذِینَ أَلۡحَقۡتُم بِهِۦ شُرَكَاۤءَۖ كَلَّاۚ بَلۡ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ (٢٧)﴾ [سبأ ٢٤-٢٧]


يَقُولُ تَعَالَى مُقَرِّرًا تفرُّدَه بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ(١) ، وَانْفِرَادَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ أَيْضًا، فَكَمَا كَانُوا يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ لَا يَرْزُقُهُمْ مِنَ السَّمَاءِ(٢) وَالْأَرْضِ -أَيْ: بِمَا يُنْزِلُ مِنَ الْمَطَرِ وَيُنْبِتُ مِنَ الزَّرْعِ-إِلَّا اللَّهُ، فَكَذَلِكَ فَلْيَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرَهُ.

* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ : هَذَا مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ، أَيْ: وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مُبْطِلٌ، وَالْآخَرُ مُحِقٌّ، لَا سَبِيلَ إِلَى أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ وَنَحْنُ عَلَى الْهُدَى أَوْ عَلَى الضَّلَالِ، بَلْ وَاحِدٌ مِنَّا مُصِيبٌ، وَنَحْنُ قَدْ أَقَمْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى التَّوْحِيدِ، فَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ .قَالَ قَتَادَةُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ لِلْمُشْرِكِينَ: وَاللَّهِ مَا نَحْنُ وَإِيَّاكُمْ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ، إِنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ لَمُهْتَدٍ.وَقَالَ عِكْرِمة وَزِيَادُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: مَعْنَاهُ: إِنَّا نَحْنُ لَعَلَى هُدًى، وَإِنَّكُمْ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.

* * *وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ : مَعْنَاهُ التَّبَرِّي مِنْهُمْ، أَيْ: لَسْتُمْ مِنَّا وَلَا نَحْنُ مِنْكُمْ، بَلْ نَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى تَوْحِيدِهِ وَإِفْرَادِ الْعِبَادَةِ لَهُ، فَإِنْ أَجَبْتُمْ فَأَنْتُمْ مِنَّا وَنَحْنُ مِنْكُمْ، وَإِنْ كَذَّبْتُمْ فَنَحْنُ بُرَآءُ مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ بُرآء مِنَّا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ(٣) كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يُونُسَ: ٤١] ، وَقَالَ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ. لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ. وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ. وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [سُورَةُ الْكَافِرُونَ] .

* * *وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَجْمَعُ [بَيْنَ](٤) الْخَلَائِقِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ، أَيْ: يَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. وَسَتَعْلَمُونَ يَوْمَئِذٍ لِمَنِ الْعِزَّةُ وَالنُّصْرَةُ وَالسَّعَادَةُ الْأَبَدِيَّةُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ [الرُّومِ: ١٤-١٦] ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ﴾ أَيِ: الْحَاكِمُ(٥) الْعَادِلُ الْعَالِمُ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ.

* * *وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ﴾ أَيْ: أَرَوْنِي هَذِهِ الْآلِهَةِ الَّتِي جَعَلْتُمُوهَا لِلَّهِ أَنْدَادًا وصيَّرتموها لَهُ عدْلا. ﴿كَلا﴾ أَيْ: لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ وَلَا نَديد، وَلَا شَرِيكٌ وَلَا عَدِيلٌ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿بَلْ هُوَ اللَّهُ﴾ :أَيِ: الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ أَيْ: ذُو الْعِزَّةِ الَّتِي قَدْ قهر بِهَا كُلَّ شَيْءٍ، وَغَلَبت كُلَّ شَيْءٍ، الْحَكِيمُ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ.


(١) في ت: "بفرضه بالرزق والخلق".

(٢) في ت، أ: "السموات".

(٣) في هـ، ت، س، أ: "فإن" والصواب ما أثبتناه.

(٤) زيادة من ت.

(٥) في ت، أ: "الحكام".


(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))