الاثنين، 26 أغسطس 2024

من سورة يوسف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٤٣_٤٩
من سورة يوسف 
﴿وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّیۤ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَ ٰ⁠تࣲ سِمَانࣲ یَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافࣱ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَـٰتٍ خُضۡرࣲ وَأُخَرَ یَابِسَـٰتࣲۖ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِی فِی رُءۡیَـٰیَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡیَا تَعۡبُرُونَ (٤٣) قَالُوۤا۟ أَضۡغَـٰثُ أَحۡلَـٰمࣲۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِیلِ ٱلۡأَحۡلَـٰمِ بِعَـٰلِمِینَ (٤٤) وَقَالَ ٱلَّذِی نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِیلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ (٤٥) یُوسُفُ أَیُّهَا ٱلصِّدِّیقُ أَفۡتِنَا فِی سَبۡعِ بَقَرَ ٰ⁠تࣲ سِمَانࣲ یَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافࣱ وَسَبۡعِ سُنۢبُلَـٰتٍ خُضۡرࣲ وَأُخَرَ یَابِسَـٰتࣲ لَّعَلِّیۤ أَرۡجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَعۡلَمُونَ (٤٦) قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِینَ دَأَبࣰا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِی سُنۢبُلِهِۦۤ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰ⁠لِكَ سَبۡعࣱ شِدَادࣱ یَأۡكُلۡنَ مَا قَدَّمۡتُمۡ لَهُنَّ إِلَّا قَلِیلࣰا مِّمَّا تُحۡصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِ ذَ ٰ⁠لِكَ عَامࣱ فِیهِ یُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِیهِ یَعۡصِرُونَ (٤٩)﴾ [يوسف ٤٣-٤٩]

هَذِهِ الرُّؤْيَا مِنْ مَلك مِصْرَ مِمَّا قَدّر اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا كَانَتْ سَبَبًا لِخُرُوجِ يوسفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنَ السِّجْنِ مُعزَّزًا مُكَرَّمًا، وَذَلِكَ أَنَّ المَلك رَأَى هَذِهِ الرُّؤْيَا، فَهَالَتْهُ وتَعجَّب مَنْ أَمْرِهَا، وَمَا يَكُونُ تَفْسِيرُهَا، فَجَمَعَ الْكَهَنَةَ والحُزَاة وَكُبَرَاءَ دَوْلَتِهِ وَأُمَرَاءَهُ وقَصَّ عَلَيْهِمْ مَا رَأَى، وَسَأَلَهُمْ عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَلَمْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ، وَاعْتَذَرُوا إِلَيْهِ بِأَنَّ هَذِهِ ﴿أَضْغَاثُ أَحْلامٍ﴾ أَيْ: أَخْلَاطٌ اقْتَضَتْ رُؤْيَاكَ هَذِهِ(١) ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحْلامِ بِعَالِمِينَ﴾ أَيْ: وَلَوْ كَانَتْ رُؤْيَا صَحِيحَةً مِنْ أَخْلَاطٍ، لَمَا كَانَ لَنَا مَعْرِفَةً بِتَأْوِيلِهَا، وَهُوَ تَعْبِيرُهَا. فَعِنْدَ ذَلِكَ تَذَكَّرَ ذَلِكَ الَّذِي نَجَا مِنْ ذَيْنِكَ الْفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ(٢) كَانَا فِي السِّجْنِ مَعَ يُوسُفَ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ قَدْ أَنْسَاهُ مَا وَصَّاهُ بِهِ يُوسُفُ، مِنْ ذِكْرِ أَمْرِهِ لِلْمَلِكِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَذَكَّرَ ﴿بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ أَيْ: مُدَّةٍ -وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: "بَعْدَ أَمِةٍ" أَيْ: بَعْدَ نِسْيَانٍ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ وَالَّذِينَ جَمَعَهُمْ لِذَلِكَ: ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ﴾ أَيْ: بِتَأْوِيلِ هَذَا الْمَنَامِ، ﴿فَأَرْسِلُونِ﴾ أَيْ: فَابْعَثُونِ إِلَى يُوسُفَ الصِّدِّيقِ إِلَى السِّجْنِ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَبَعَثُوا(٣) فَجَاءَ. فَقَالَ: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا﴾ وَذَكَرَ الْمَنَامَ الَّذِي رَآهُ الْمَلِكُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ ذَكَرَ لَهُ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، تَعْبِيرَهَا مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ لِذَلِكَ الْفَتَى فِي نِسْيَانِهِ مَا وَصَّاهُ بِهِ، وَمِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ لِلْخُرُوجِ قَبْلَ ذَلِكَ، بَلْ قَالَ: ﴿تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾ أَيْ(٤) يَأْتِيكُمُ الْخِصْبُ وَالْمَطَرُ سَبْعَ سِنِينَ مُتَوَالِيَاتٍ، فَفَسَّرَ الْبَقَرَ بِالسِّنِينَ؛ لِأَنَّهَا تُثِيرُ الْأَرْضَ الَّتِي تُسْتغل منها الثمرات والزروع، وهن السنبلات الْخُضْرُ، ثُمَّ أَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا يَعْتَمِدُونَهُ فِي تِلْكَ السِّنِينَ فَقَالَ: ﴿فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾ أَيْ: مَهْمَا اسْتَغْلَلْتُمْ(٥) فِي هَذِهِ السَّبْعِ السِّنِينَ الْخِصْبَ فَاخْزُنُوهُ فِي سُنْبُلِهِ، لِيَكُونَ أَبْقَى لَهُ وَأَبْعَدَ عَنْ إِسْرَاعِ الْفَسَادِ إِلَيْهِ، إِلَّا الْمِقْدَارَ الَّذِي تَأْكُلُونَهُ، وَلْيَكُنْ قَلِيلًا قَلِيلًا لَا تُسْرِفُوا فِيهِ، لِتَنْتَفِعُوا فِي السَّبْعِ الشِّدَادِ، وَهُنَّ السَّبْعُ السِّنِينَ المُحْل الَّتِي تَعْقُبُ هَذِهِ السَّبْعَ مُتَوَالِيَاتٍ، وَهُنَّ الْبَقَرَاتُ الْعِجَافُ اللَّاتِي يَأْكُلْنَ السِّمان؛ لِأَنَّ سِنِيَّ(٦) الجَدْب يُؤْكَلُ فِيهَا مَا جَمَعَوه فِي سِنِيِّ(٧) الْخِصْبِ، وَهُنَّ السُّنْبُلَاتُ الْيَابِسَاتُ.وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُنَّ لَا يُنْبِتْنَ شَيْئًا، وَمَا بَذَرُوهُ فَلَا يَرْجِعُونَ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾ثُمَّ بَشَّرَهُمْ بَعْدَ الجَدْب الْعَامِ الْمُتَوَالِي بِأَنَّهُ يَعْقُبُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾ أَيْ: يَأْتِيهِمُ الْغَيْثُ، وَهُوَ المَطرُ، وتُغل الْبِلَادُ، ويَعصرُ النَّاسُ مَا كَانُوا يَعْصِرُونَ عَلَى عَادَتِهِمْ، مِنْ زَيْتٍ وَنَحْوِهُ، وَسُكَّرٍ وَنَحْوِهُ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: يَدْخُلُ(٨) فِيهِ حَلْبُ اللَّبَنِ أَيْضًا.قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ يَحْلِبُونَ.

(١) في ت، أ: "رؤيا في هذا".
(٢) في ت: "الذي".
(٣) في ت: "فبعثوه".
(٤) في ت: "إذ".
(٥) في ت، أ: "استغليتم".
(٦) في ت، أ: "سنين".
(٧) في ت، أ: "سنين".
(٨) في ت، أ: "ويدخل".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

ليست هناك تعليقات: