الخميس، 13 يونيو 2024

صدقة جاريةتفسير اية رقم ٤١_٤٣من سورة هود

 


صدقة جاريةتفسير اية رقم ٤١_٤٣من سورة هود﴿۞ وَقَالَ ٱرۡكَبُوا۟ فِیهَا بِسۡمِ ٱللَّهِ مَجۡرٜىٰهَا وَمُرۡسَىٰهَاۤۚ إِنَّ رَبِّی لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ (٤١) وَهِیَ تَجۡرِی بِهِمۡ فِی مَوۡجࣲ كَٱلۡجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبۡنَهُۥ وَكَانَ فِی مَعۡزِلࣲ یَـٰبُنَیَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ (٤٢) قَالَ سَـَٔاوِیۤ إِلَىٰ جَبَلࣲ یَعۡصِمُنِی مِنَ ٱلۡمَاۤءِۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلۡیَوۡمَ مِنۡ أَمۡرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَۚ وَحَالَ بَیۡنَهُمَا ٱلۡمَوۡجُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡمُغۡرَقِینَ (٤٣)﴾ [هود ٤١-٤٣]

يَقُولُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِينِ أُمِرَ بِحَمْلِهِمْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ: ﴿ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ أَيْ: بِسْمِ اللَّهِ يَكُونُ جَرْيُها عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَبِسْمِ اللَّهِ يَكُونُ مُنْتَهَى سَيْرِهَا، وَهُوَ رُسُوها.وَقَرَأَ أَبُو رَجَاءٍ العَطاردي: “بسْمِ اللهِ مُجْرِيَها ومُرْسِيهَا”.وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى(١) : ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنزلْنِي مُنزلا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزلِينَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ:٢٨، ٢٩] ؛(٢) ؛ وَلِهَذَا تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ فِي ابْتِدَاءِ الْأُمُورِ: عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى السَّفِينَةِ وَعَلَى الدَّابَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ:١٢ -١٤] ، وَجَاءَتِ السُّنَّةُ بِالْحَثِّ عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّدْبِ إِلَيْهِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي سُورَةِ “الزُّخْرُفِ”، إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ.وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ -وَحَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى السَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الحَرشي -قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ، عَنْ نَهْشل بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “أَمَانُ أُمَّتِي مِنَ الْغَرَقِ إذا ركبوا في السفن أن يقولوا: بسم اللَّهِ الْمَلِكِ، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزُّمَرِ: ٦٧] ، ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(٣) .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ مُنَاسِبٌ عِنْدَ(٤) ذِكْرِ الِانْتِقَامِ مِنَ الْكَافِرِينَ بِإِغْرَاقِهِمْ أَجْمَعِينَ ذكْرُ أَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، كَمَا قَالَ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٦٧] ، وَقَالَ: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الرَّعْدِ: ٦] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي يَقْرِنُ فِيهَا بَيْنَ انْتِقَامِهِ وَرَحْمَتِهِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ أَيِ: السَّفِينَةُ سَائِرَةٌ بِهِمْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، الَّذِي قَدْ طَبَّق(٥) جَمِيعَ الْأَرْضِ، حَتَّى طَفَتْ(٦) عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَارْتَفَعَ عَلَيْهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، وَقِيلَ: بِثَمَانِينَ مِيلًا وَهَذِهِ السَّفِينَةُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ سَائِرَةٌ بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَحْتَ كَنَفه وَعِنَايَتِهِ(٧) وَحِرَاسَتِهِ وَامْتِنَانِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ [الْحَاقَّةِ: ١١، ١٢] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [الْقَمَرِ: ١٣ -١٥] .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ هَذَا هُوَ الِابْنُ الرَّابِعُ، وَاسْمُهُ “يَامٌ”، وَكَانَ كَافِرًا، دَعَاهُ أَبُوهُ عِنْدَ رُكُوبِ السَّفِينَةِ أَنْ يُؤْمِنَ وَيَرْكَبَ مَعَهُمْ وَلَا يَغْرَقَ مِثْلَ مَا يَغْرَقُ الْكَافِرُونَ، ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ وَقِيلَ: إِنَّهُ اتَّخَذَ لَهُ مَرْكَبًا مِنْ زُجاج، وَهَذَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ. وَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنَّهُ قَالَ: ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ اعْتَقَدَ بِجَهْلِهِ أَنَّ الطُّوفَانَ لَا يَبْلُغُ إِلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ، وَأَنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ لَنَجَّاهُ ذَلِكَ مِنَ الْغَرَقِ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ نُوحٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ﴾ أَيْ: لَيْسَ شَيْءٌ يَعْصِمُ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ. وَقِيلَ: إِنَّ عَاصِمًا بِمَعْنَى مَعْصُومٍ، كَمَا يُقَالُ: “طَاعِمٌ وَكَاسٍ”، بِمَعْنَى مَطْعُومٍ ومكسُوّ، ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ .

(١) في أ: “عز وجل”.
(٢) في ت، “وإذا” وهو خطأ.
(٣) المعجم الكبير (١٢/١٢٤) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/١٣٢) : “فيه نهشل بن سعيد وهو متروك”.
(٤) في ت، أ: “عندما”.
(٥) في ت: “طبق به”.
(٦) في أ: “طفف”
(٧) في ت: “وغايته”، وفي أ: “ورعايته”.

الإعلان

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

ليست هناك تعليقات: