السبت، 7 أكتوبر 2023

من سورة الأعراف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٦٧ من 
سورة الأعراف 
﴿وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَیَبۡعَثَنَّ عَلَیۡهِمۡ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ مَن یَسُومُهُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِیعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [الأعراف ١٦٧]

﴿تَأَذَّنَ﴾ تَفَعَّل مِنَ الْإِذْنِ أَيْ: أَعْلَمَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَمَرَ.وَفِي قُوَّةِ الْكَلَامِ مَا يُفِيدُ مَعْنَى الْقَسَمِ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلِهَذَا تُلُقِّيَت بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ: عَلَى الْيَهُودِ ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ أَيْ: بِسَبَبِ عِصْيَانِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ أَوَامِرَ اللَّهِ وَشَرْعَهُ وَاحْتِيَالِهِمْ عَلَى الْمَحَارِمِ.وَيُقَالُ: إِنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ سَبْعَ سِنِينَ -وَقِيلَ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الْخَرَاجَ. ثُمَّ كَانُوا فِي قَهْرِ الْمُلُوكِ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ وَالْكَشْدَانِيِّينَ وَالْكَلْدَانِيِّينَ، ثُمَّ صَارُوا فِي(١) قَهْرِ النَّصَارَى وَإِذْلَالِهِمْ وَإِيَّاهُمْ، أَخْذِهِمْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ وَالْخَرَاجَ، ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَمُحَمَّدٌ، عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ، فَكَانُوا تَحْتَ صُفَارِهِ وَذِمَّتِهِ يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ وَالْجِزَى(٢)قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: هِيَ الْمَسْكَنَةُ، وَأَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ.وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْهُ: هِيَ الْجِزْيَةُ، وَالَّذِينَ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ: مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأُمَّتُهُ، إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَابْنُ جُرَيْج، والسُّدِّي، وَقَتَادَةُ.وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَر، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: يَسْتَحَبُّ أَنْ تُبْعَثَ الْأَنْبَاطُ فِي الْجِزْيَةِ.قُلْتُ: ثُمَّ آخِرُ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ أَنْصَارَ الدَّجَّالِ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ آخِرَ الزَّمَانِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ﴾ أَيْ: لِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ [أَمْرَهُ وَ](٣) شَرْعَهُ، ﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أَيْ: لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَأَنَابَ.وَهَذَا مِنْ بَابِ قَرْنِ الرَّحْمَةِ مَعَ الْعُقُوبَةِ، لِئَلَّا يَحْصُلَ الْيَأْسُ، فَيَقْرِنُ [اللَّهُ](٤) تَعَالَى بَيْنَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ كَثِيرًا؛ لِتُبْقَى النُّفُوسُ بين الرجاء والخوف.

(١) في ك، م، أ: "إلى".
(٢) في م: "الجزية".
(٣) زيادة من أ.
(٤) زيادة من م.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

ليست هناك تعليقات: