الخميس، 31 أغسطس 2023

من سورة الأعراف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٢٧_١٢٩
من سورة الأعراف 
﴿وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِیُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَیَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَـٰهِرُونَ (١٢٧) قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِینُوا۟ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ یُورِثُهَا مَن یَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَـٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِینَ (١٢٨) قَالُوۤا۟ أُوذِینَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِیَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن یُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَیَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرَ كَیۡفَ تَعۡمَلُونَ (١٢٩)﴾ [الأعراف ١٢٧-١٢٩]

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا تَمَالَأَ عَلَيْهِ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ، وَمَا أَظْهَرُوهُ(١) لِمُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَوْمِهِ مِنَ الْأَذَى وَالْبِغْضَةِ: ﴿وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ﴾ أَيْ: لِفِرْعَوْنَ ﴿أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ﴾ أَيْ: أَتَدَعُهُمْ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، أَيْ: يُفْسِدُوا أَهْلَ رَعَيَّتِكَ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى عِبَادَةِ رَبِّهِمْ دُونَكَ، يَالَلَّهِ لِلْعَجَبِ! صَارَ(٢) هَؤُلَاءِ يُشْفِقُونَ مِنْ إِفْسَادِ مُوسَى وَقَوْمِهِ! أَلَا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ هُمُ الْمُفْسِدُونَ، وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ قَالَ بَعْضُهُمْ: "الْوَاوُ" هُنَا حَالِيَّةٌ، أَيْ: أَتَذِرُهُ وَقَوْمَهُ يُفْسِدُونَ وَقَدْ تَرَكَ عبادتك؟ وَقَرَأَ ذَلِكَ أُبيّ بْنُ كَعْبٍ: "وَقَدْ تَرَكُوكَ أَنْ يَعْبُدُوكَ وَآلِهَتَكَ"، حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ عَاطِفَةٌ، أَيْ: لَا تَدَعْ مُوسَى يَصْنَعُ هُوَ وَقَوْمُهُ مِنَ الْفَسَادِ مَا قَدْ أَقْرَرْتَهُمْ(٣) عَلَيْهِ وَعَلَى تَرْكِهِ آلِهَتَكَ.وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: "إِلَاهَتَكَ" أَيْ: عِبَادَتَكَ، ورُوي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ.وَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ لِفِرْعَوْنَ إِلَهٌ يَعْبُدُهُ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: كَانَ لِفِرْعَوْنَ إِلَهٌ يَعْبُدُهُ فِي السِّرِّ. وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: كَانَ لَهُ(٤) جُمَانة فِي عُنُقِهِ مُعَلَّقَةٌ يَسْجُدُ لَهَا.وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ وَآلِهَتُهُ، فِيمَا زَعَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ، كَانَتِ الْبَقَرُ، كَانُوا إِذَا رَأَوْا بَقَرَةً حَسْنَاءَ أَمَرَهُمْ فِرْعَوْنُ أَنْ يَعْبُدُوهَا، فَلِذَلِكَ أَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا.فَأَجَابَهُمْ فِرْعَوْنُ فِيمَا سَأَلُوهُ بِقَوْلِهِ: ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ وَهَذَا أَمْرٌ ثَانٍ بِهَذَا الصَّنِيعِ، وَقَدْ كَانَ نَكَّلَ بِهِمْ بِهِ قَبْلَ وِلَادَةِ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَذَرًا مِنْ وُجُودِهِ، فَكَانَ خِلَافَ مَا رَامَهُ وَضِدَّ مَا قَصَدَهُ فِرْعَوْنُ. وَهَكَذَا عُومِلَ فِي صَنِيعِهِ [هَذَا](٥) أَيْضًا، إِنَّمَا أَرَادَ قَهْرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَإِذْلَالَهُمْ، فَجَاءَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا أَرَادَ: نَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَذَلَّهُ، وَأَرْغَمَ أَنْفَهُ، وَأَغْرَقَهُ وَجُنُودَهُ.وَلَمَّا صَمَّمَ فِرْعَوْنُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمُسَاءَةِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا﴾ وَوَعْدَهُمْ بِالْعَاقِبَةِ، وَأَنَّ الدَّارَ سَتَصِيرُ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ أَيْ: قَدْ جَرَى عَلَيْنَا مِثْلُ مَا رَأَيْتَ مِنَ الْهَوَانِ وَالْإِذْلَالِ مِنْ قَبْلِ مَا جِئْتَ يَا مُوسَى، وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ. فَقَالَ مُنَبِّهًا لَهُمْ عَلَى حَالِهِمُ الْحَاضِرَةِ(٦) وَمَا يَصِيرُونَ(٧) إِلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ [وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ] ﴾(٨) وَهَذَا تَحْضِيضٌ لَهُمْ عَلَى الْعَزْمِ عَلَى الشُّكْرِ، عِنْدَ حُلُولِ النِّعَمِ وَزَوَالِ النِّقَمِ.

(١) في ك، م، أ: "أضمروه"، وفي د: "أضمروا".
(٢) في أ: "صاروا".
(٣) في أ: "أقررتم".
(٤) في ك، م، أ: "لفرعون".
(٥) زيادة من م، أ.
(٦) في ك، د، م: "الحاضر".
(٧) في د: "يصير".
(٨) زيادة من د، ك، م، وفي هـ: "الآية".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

ليست هناك تعليقات: