الأحد، 2 يوليو 2023

من سورة الأعراف

﴿وَلَقَدۡ مَكَّنَّـٰكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلۡنَا لَكُمۡ فِیهَا مَعَـٰیِشَۗ قَلِیلࣰا مَّا تَشۡكُرُونَ﴾ [الأعراف ١٠]

يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عَبِيدِهِ(١) فِيمَا مَكَّنَ لَهُمْ مِنْ أَنَّهُ جَعَل الْأَرْضَ قَرَارًا، وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا، وَجَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مَنَازِلَ وَبُيُوتًا، وَأَبَاحَ مَنَافِعَهَا، وسَخَّر لَهُمُ السَّحَابَ لِإِخْرَاجِ أَرْزَاقِهِمْ مِنْهَا، وَجَعَلَ لَهُمْ فِيهَا مَعَايِشَ، أَيْ: مَكَاسِبَ وَأَسْبَابًا يَتَّجِرُونَ فِيهَا، وَيَتَسَبَّبُونَ أَنْوَاعَ الْأَسْبَابِ، وَأَكْثَرُهُمْ مَعَ هَذَا قَلِيلُ الشُّكْرِ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٤] .وَقَدْ قَرَأَ الْجَمِيعُ: ﴿مَعَايِش﴾ بِلَا هَمْزٍ، إِلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُز الْأَعْرَجَ فَإِنَّهُ هَمَزَهَا. وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ بِلَا هَمْزٍ؛ لِأَنَّ مَعَايِشَ جَمْعُ مَعِيشَةٍ، مِنْ عَاشَ يَعِيشُ عَيْشًا، وَمَعِيشَةٌ أَصْلُهَا "مَعْيِشَة" فَاسْتُثْقِلَتِ الْكَسْرَةُ عَلَى الْيَاءِ، فَنُقِلَتْ إِلَى الْعَيْنِ فَصَارَتْ مَعِيشة، فَلَمَّا جُمِعَتْ رَجَعَتِ الْحَرَكَةُ إِلَى الْيَاءِ لِزَوَالِ الِاسْتِثْقَالِ، فَقِيلَ: مَعَايِشُ. وَوَزْنُهُ مَفَاعِلُ؛ لِأَنَّ الْيَاءَ أَصْلِيَّةٌ فِي الكلمة. بخلاف مدائن وَصَحَائِفَ وَبَصَائِرَ، جَمْعِ مَدِينَةٍ وَصَحِيفَةٍ وَبَصِيرَةٍ مِنْ: مَدَنَ وَصَحَفَ وَأَبْصَرَ، فَإِنَّ الْيَاءَ فِيهَا زَائِدَةٌ، وَلِهَذَا تُجْمَعُ عَلَى فَعَائِلَ، وَتُهْمَزُ لِذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(١) في م: "عباده".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

ليست هناك تعليقات: