الأحد، 9 أبريل 2023

من سورة إبراهيم

 صدقة جارية 

تفسير اية رقم ٤

من سورة إبراهيم 

﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِیُبَیِّنَ لَهُمۡۖ فَیُضِلُّ ٱللَّهُ مَن یَشَاۤءُ وَیَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ [إبراهيم ٤]


هَذَا مِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى بِخَلْقِهِ: أَنَّهُ يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رُسُلًا(١) مِنْهُمْ بِلُغَاتِهِمْ لِيَفْهَمُوا عَنْهُمْ مَا يُرِيدُونَ وَمَا أُرْسِلُوا بِهِ إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عُمَرَ(٢) بْنِ ذَرٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، نَبِيًّا إِلَّا بِلُغَةِ قَوْمِهِ"(٣) .

* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ أَيْ: بَعْدَ الْبَيَانِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ يَضِلُّ تَعَالَى مَنْ يَشَاءُ عَنْ وَجْهِ الْهُدَى، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى الْحَقِّ، ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، ﴿الْحَكِيمُ﴾ فِي أَفْعَالِهِ، فَيُضِلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِضْلَالَ، وَيَهْدِي مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ.وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ: أَنَّهُ مَا بَعَثَ نَبِيًّا فِي أُمَّةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِلُغَتِهِمْ، فَاخْتَصَّ كُلَّ نَبِيٍّ بِإِبْلَاغِ رِسَالَتِهِ إِلَى أُمَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَاخْتَصَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَسُولَ اللَّهِ بِعُمُومِ الرِّسَالَةِ إِلَى سَائِرِ النَّاسِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعطَهُن أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأحلَّت لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً"(٤) .وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨] .


(١) في أ: "رسولا".

(٢) في أ: "عمرو".

(٣) المسند (٥/١٥٨) ومجاهد لم يسمع من أبي ذر.

(٤) صحيح البخاري برقم (٣٣٥) وصحيح مسلم برقم (٥٢١) .


(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))


ليست هناك تعليقات: