الأربعاء، 6 نوفمبر 2024

من سورة إبراهيم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٦_٨
من سورة إبراهيم 
﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ یَسُومُونَكُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ وَیُذَبِّحُونَ أَبۡنَاۤءَكُمۡ وَیَسۡتَحۡیُونَ نِسَاۤءَكُمۡۚ وَفِی ذَ ٰ⁠لِكُم بَلَاۤءࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِیمࣱ (٦) وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَىِٕن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِیدَنَّكُمۡۖ وَلَىِٕن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدࣱ (٧) وَقَالَ مُوسَىٰۤ إِن تَكۡفُرُوۤا۟ أَنتُمۡ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ (٨)﴾ [إبراهيم ٦-٨]

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى، حِينَ ذَكَّر قَوْمَهُ بِأَيَّامِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ وَنِعَمَهُ عَلَيْهِمْ، إِذْ أَنْجَاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَمَا كَانُوا يَسُومُونَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْإِذْلَالِ، حِينَ(١) كَانُوا يَذْبَحُونَ مَنْ وُجِدَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ، وَيَتْرُكُونَ إِنَاثَهُمْ فَأَنْقَذَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ أَيْ: نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْهُ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ، أَنْتُمْ عَاجِزُونَ عَنِ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا.وَقِيلَ: وَفِيمَا كَانَ يَصْنَعُهُ بِكُمْ قَوْمُ فِرْعَوْنَ مِنْ تِلْكَ الْأَفَاعِيلِ ﴿بَلَاءٌ﴾ أَيِ: اخْتِبَارٌ عَظِيمٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هَذَا وَهَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٦٨] .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ أَيْ: آذَنَكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِوَعْدِهِ لَكُمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَإِذْ أَقْسَمَ رَبُّكُمْ وَآلَى بِعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ كَمَا قَالَ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ](٢) ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٦٧] .
* * *وَقَوْلُهُ(٣) ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ﴾(٤) أَيْ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ نِعْمَتِي(٥) عَلَيْكُمْ لِأَزِيدَنَّكُمْ مِنْهَا، ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ﴾ أَيْ: كَفَرْتُمُ النِّعَمَ وَسَتَرْتُمُوهَا وَجَحَدْتُمُوهَا، ﴿إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ وَذَلِكَ بِسَلْبِهَا عَنْهُمْ، وَعِقَابِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى كُفْرِهَا.وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ"(٦) .وَفِي الْمُسْنَدِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِهِ سَائِلٌ فَأَعْطَاهُ تَمْرَةً، فَتَسَخَّطها وَلَمْ يَقْبَلْهَا، ثُمَّ مَرَّ بِهِ آخَرُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَقَبِلَهَا وَقَالَ: تَمْرَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، أَوْ كَمَا قَالَ.قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْودُ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ الصَّيدلاني، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ سَائِلٌ فَأَمَرَ لَهُ بِتَمْرَةٍ فَلَمْ يَأْخُذْهَا -أَوْ: وَحِشَّ بِهَا -قَالَ: وَأَتَاهُ آخَرُ فَأَمَرَ لَهُ بِتَمْرَةٍ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَمْرَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: "اذْهَبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فأعطيه الأربعين درهما التي عِنْدَهَا".تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ(٧) .وَعُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ وَثَّقَهُ ابْنُ حبَّان، وَأَحْمَدُ، وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ(٨) وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَة: لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يكتب حديثه وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، لَيْسَ بِالْمَتِينِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: رُبَّمَا يُضْطَرَبُ فِي حَدِيثِهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: رُوِيَ عَنْهُ أَحَادِيثُ مُنْكِرَةٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ.
* * *وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ أَيْ: هُوَ غَنِيٌّ عَنْ شُكْرِ عِبَادِهِ، وَهُوَ الْحَمِيدُ الْمَحْمُودُ، وَإِنَّ كَفَرَهُ مَنْ كَفَرَهُ، كَمَا قَالَ: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزُّمَرِ: ٧] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [التَّغَابُنِ: ٦] .وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فيما يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ فِي(٩) مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، إلا كما ينقُص المخْيَط إذا أدخل في الْبَحْرِ". فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(١٠) .

(١) في ت، أ: "حيث".
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) في ت، أ: "وقال ها هنا".
(٤) في ت، أ: "وإذ تأذن ربكم لئن".
(٥) في ت: "نعمة الله".
(٦) رواه أحمد في المسند (٥/٨٠) وابن ماجة في السنن برقم (٩٠) من حديث ثوبان رضي الله عنه، وحسنه العراقي كما في الزوائد للبوصيري (١/٦١) .
(٧) المسند (٣/١٥٤) .
(٨) في ت: "أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان".
(٩) في ت، أ: "من".
(١٠) صحيح مسلم برقم (٢٥٧٧) .

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

من سورة إبراهيم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٥ من سورة إبراهيم 
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَیَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ﴾ [إبراهيم ٥]

يَقُولُ تَعَالَى: وَكَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ، لِتُخْرِجَ النَّاسَ كُلَّهُمْ، تَدْعُوهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، كَذَلِكَ أَرْسَلْنَا مُوسَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بِآيَاتِنَا.قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِيَ التِّسْعُ الْآيَاتِ.﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ﴾ أَيْ: أَمَرْنَاهُ قَائِلِينَ لَهُ: ﴿أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ أَيِ: ادْعُهُمْ إِلَى الْخَيْرِ، لِيَخْرُجُوا مِنْ ظُلُمَاتِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ إِلَى نُورِ الْهُدَى وَبَصِيرَةِ الْإِيمَانِ.﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ أَيْ: بِأَيَادِيهِ ونعَمه عَلَيْهِمْ، فِي إِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ أَسْرِ فِرْعَوْنَ.وَقَهْرِهِ وَظُلْمِهِ وَغَشْمِهِ، وَإِنْجَائِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ عَدْوِهِمْ، وَفَلْقِهِ لَهُمُ الْبَحْرَ، وَتَظْلِيلِهِ إِيَّاهُمْ بِالْغَمَامِ، وَإِنْزَالِهِ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ. قَالَ ذَلِكَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ حَيْثُ(١) قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ قَالَ: "بِنِعَمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى] "(٢) .[وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ](٣) وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانٍ، بِهِ(٤) وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ(٥) أَيْضًا مَوْقُوفًا(٦) وَهُوَ أَشْبَهُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ أَيْ: إِنَّ فِيمَا صَنَعْنَا بِأَوْلِيَائِنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ أَنْقَذْنَاهُمْ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ، وَأَنْجَيْنَاهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ، لَعِبْرَةٌ لِكُلِّ صَبَّار، أَيْ: فِي الضَّرَّاءِ، شَكُورٌ، أَيْ: فِي السَّرَّاءِ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: نِعْمَ الْعَبْدُ، عَبْدٌ إِذَا ابتُلِي صَبَر، وَإِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ.وَكَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّه عَجَب، لَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكر فَكَانَ خيرا له"(٧) .

(١) في هـ: "في مسنده حديث قال" والمثبت من ت، أ.
(٢) زيادة من ت، أ، والمسند.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) زوائد المسند (٥/١٢٢) وتفسير الطبري (١٦/٥٢٢) .
(٥) في ت: "بن أحمد".
(٦) زوائد المسند (٥/١٢٢) .
(٧) صحيح مسلم برقم (٢٩٩٩) من حديث صهيب رضي الله عنه.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

من سورة إبراهيم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٩
من سورة إبراهيم 
﴿أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ نَبَؤُا۟ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحࣲ وَعَادࣲ وَثَمُودَ وَٱلَّذِینَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا یَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤا۟ أَیۡدِیَهُمۡ فِیۤ أَفۡوَ ٰ⁠هِهِمۡ وَقَالُوۤا۟ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِی شَكࣲّ مِّمَّا تَدۡعُونَنَاۤ إِلَیۡهِ مُرِیبࣲ﴾ [إبراهيم ٩]

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذَا مِنْ تَمَامِ قِيلِ(١) موسى لقومه(٢) .يعني: وتذكاره إِيَّاهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ، بِانْتِقَامِهِ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ.وَفِيمَا قَالَ(٣) ابْنُ جَرِيرٍ نَظَرٌ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الأمة، فإنه قد قيل: إِنَّ قِصَّةَ عَادٍ وَثَمُودَ لَيْسَتْ فِي التَّوْرَاةِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ كَلَامِ مُوسَى لِقَوْمِهِ وقَصَه عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ(٤) أَنْ تَكُونَ هَاتَانِ الْقِصَّتَانِ فِي "التَّوْرَاةِ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ قَصَّ عَلَيْنَا خَبَرَ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ، مِمَّا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ(٥) إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، أَيْ: بِالْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ الْبَاهِرَاتِ الْقَاطِعَاتِ.وَقَالَ ابْنُ(٦) إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُ﴾ كَذَبَ النَّسَّابُونَ.وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا بَعْدَ مَعَدِ بْنِ عَدْنَانَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ أَشَارُوا إِلَى أَفْوَاهِ الرُّسُلِ يَأْمُرُونَهُمْ(٧) بِالسُّكُوتِ عَنْهُمْ، لَمَّا دَعَوْهُمْ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.وَقِيلَ: بَلْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ تَكْذِيبًا لَهُمْ.وَقِيلَ: بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ سُكُوتِهِمْ عَنْ جَوَابِ الرُّسُلِ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَقَتَادَةُ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ كَذَّبُوهُمْ وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ.قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَتَوْجِيهُهُ(٨) أَنَّ "فِي" ها هنا بِمَعْنَى "الْبَاءِ"، قَالَ: وَقَدْ سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ: "أَدْخَلَكَ اللَّهُ بِالْجَنَّةِ" يَعْنُونَ: فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:وَأَرْغَبُ فِيهَا عَن لَقيطٍ ورهْطه ... عَن سِنْبس لَسْتُ أرْغَب ...يُرِيدُ: أَرْغَبُ بِهَا(٩) .قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ مُجَاهِدٍ تَفْسِيرُ ذَلِكَ بِتَمَامِ الْكَلَامِ: ﴿وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ فَكَأَنَّ هَذَا [وَاللَّهُ أَعْلَمُ](١٠) تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى رَدِّ أَيْدِيهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ.وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ قَالَ: عَضُّوا عَلَيْهَا غَيْظًا.وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَبِي هُبَيرَْة ابْنِ مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَقَدِ اخْتَارَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مُخْتَارًا لَهُ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ: ﴿وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١١٩] .وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا سُمِعُوا كِتَابَ(١١) اللَّهِ عَجبوا، ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم.وَقَالُوا: ﴿إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ يَقُولُونَ: لَا نُصَدِّقُكُمْ فِيمَا جِئْتُمْ بِهِ؛ فَإِنَّ عِنْدَنَا فِيهِ شَكًّا قَوِيًّا.

(١) في أ: "قول".
(٢) تفسير الطبري (١٦/٥٢٩) .
(٣) في ت، أ: "قاله".
(٤) في ت، أ: "لأوشك".
(٥) في ت، أ: "عدده".
(٦) في ت: "أبو".
(٧) في ت: "يأمروهم".
(٨) في ت: "ويوجهه"
(٩) تفسير الطبري (١٦/٥٣٤) .
(١٠) زيادة من ت، أ.
(١١) في ت: "كلام".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))