الأربعاء، 13 نوفمبر 2024

من سورة إبراهيم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٩_٢٠
من سورة إبراهيم 
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۚ إِن یَشَأۡ یُذۡهِبۡكُمۡ وَیَأۡتِ بِخَلۡقࣲ جَدِیدࣲ (١٩) وَمَا ذَ ٰ⁠لِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِیزࣲ (٢٠)﴾ [إبراهيم ١٩-٢٠]

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قُدْرَتِهِ عَلَى مَعَادِ الْأَبْدَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، أَفَلَيْسَ الَّذِي قَدَرَ عَلَى خَلْقِ هَذِهِ السَّمَوَاتِ، فِي ارْتِفَاعِهَا وَاتِّسَاعِهَا وَعَظَمَتِهَا وَمَا فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ الثَّوَابِتِ وَالسَّيَّارَاتِ، وَالْحَرَكَاتِ الْمُخْتَلِفَاتِ، وَالْآيَاتِ الْبَاهِرَاتِ، وَهَذِهِ الْأَرْضُ بِمَا فِيهَا مِنْ مِهَادٍ وَوِهَادٍ وَأَوْتَادٍ، وَبَرَارِي وَصَحَارِي وَقِفَارٍ، وَبِحَارٍ وَأَشْجَارٍ، وَنَبَاتٍ وَحَيَوَانٍ، عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهَا وَمَنَافِعِهَا، وَأَشْكَالِهَا وَأَلْوَانِهَا؛ ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الْأَحْقَافِ: ٣٣] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ(١) أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: ٧٧ -٨٣] .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ أَيْ: بِعَظِيمٍ وَلَا مُمْتَنِعٍ، بَلْ هُوَ سَهْلٌ عَلَيْهِ إِذَا خَالَفْتُمْ أَمْرَهُ، أَنْ يُذْهِبَكُمْ وَيَأْتِيَ بِآخَرِينَ عَلَى غَيْرِ صِفَتِكُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [فَاطِرٍ: ١٥ -١٧] ، وَقَالَ: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: ٣٨] ، وَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٥٤] ، وَقَالَ: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ [النِّسَاءِ: ١٣٣] .

(١) في ت، أ: "ولقد خلقنا الإنسان" وهو خطأ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

من سورة إبراهيم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٣_١٧
من سورة إبراهيم 
﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَاۤ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰۤ إِلَیۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ (١٣) وَلَنُسۡكِنَنَّكُمُ ٱلۡأَرۡضَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۚ ذَ ٰ⁠لِكَ لِمَنۡ خَافَ مَقَامِی وَخَافَ وَعِیدِ (١٤) وَٱسۡتَفۡتَحُوا۟ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِیدࣲ (١٥) مِّن وَرَاۤىِٕهِۦ جَهَنَّمُ وَیُسۡقَىٰ مِن مَّاۤءࣲ صَدِیدࣲ (١٦) یَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا یَكَادُ یُسِیغُهُۥ وَیَأۡتِیهِ ٱلۡمَوۡتُ مِن كُلِّ مَكَانࣲ وَمَا هُوَ بِمَیِّتࣲۖ وَمِن وَرَاۤىِٕهِۦ عَذَابٌ غَلِیظࣱ (١٧)﴾ [إبراهيم ١٣-١٧]

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا تَوَعَّدَتْ بِهِ الْأُمَمُ الْكَافِرَةُ رُسُلَهُمْ، مِنَ الْإِخْرَاجِ مَنْ أَرْضِهِمْ، وَالنَّفْيِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، كَمَا قَالَ قَوْمُ شُعَيْبٍ لَهُ وَلِمَنْ آمَنَ بِهِ: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ [الْأَعْرَافِ: ٨٨] ، وَقَالَ قَوْمُ لُوطٍ: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النَّمْلِ: ٥٦] ، وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ: ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٧٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الْأَنْفَالِ: ٣٠] .وَكَانَ(١) مِنْ صُنْعِهِ تَعَالَى: أَنَّهُ أَظْهَرَ رَسُولَهُ وَنَصَرَهُ، وَجَعَلَ لَهُ بِسَبَبِ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ أَنْصَارًا وَأَعْوَانًا وَجُنْدًا، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَمْ يَزَلْ يُرَقِّيهِ [اللَّهُ](٢) تَعَالَى مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ، حَتَّى فَتَحَ لَهُ مَكَّةَ الَّتِي أَخْرَجَتْهُ، وَمَكَّنَ لَهُ فِيهَا، وَأَرْغَمَ آنَافَ أَعْدَائِهِ مِنْهُمْ، و [مِنْ](٣) سَائِرِ [أَهْلِ](٤) الْأَرْضِ، حَتَّى دَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَظَهَرَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ وَدِينُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَدْيَانِ، فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا فِي أَيْسَرِ زَمَانٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ١٧١ -١٧٣] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ(٥) عَزِيزٌ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: ٢١] ، وَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥] ، ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٢٨] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٣٧] .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ أَيْ: وَعِيدِي(٦) هَذَا لِمَنْ خَافَ مَقَامِي بَيْنَ يَدَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَخَشِيَ مِنْ وَعِيدِي، وَهُوَ تَخْوِيفِي وَعَذَابِي، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النَّازِعَاتِ: ٣٧ -٤١] ، وَقَالَ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرَّحْمَنِ: ٤٦] .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا﴾ أَيِ: اسْتَنْصَرَتِ الرُّسُلُ رَبَّهَا عَلَى قَوْمِهَا. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ.وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: اسْتَفْتَحَتِ الْأُمَمُ عَلَى أَنْفُسِهَا، كَمَا قَالُوا: ﴿اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الْأَنْفَالِ: ٣٢] .وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَادًا وَهَذَا مُرَادًا، كَمَا أَنَّهُمُ اسْتَفْتَحُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَاسْتَفْتَحَ رَسُولُ اللَّهِ وَاسْتَنْصَرَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُشْرِكِينَ: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ الْآيَةَ [الْأَنْفَالِ: ١٩] ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ أَيْ: مُتَجَبِّرٌ فِي نَفْسِهِ مُعَانِدٌ لِلْحَقِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ﴾ [ق: ٢٤ -٢٦] .وَفِي الْحَدِيثِ: "إِنَّهُ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَتُنَادِي الْخَلَائِقَ فَتَقُولُ: إِنِّي وُكلت بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ" الْحَدِيثَ(٧) .خَابَ وَخَسِرَ حِينَ اجْتَهَدَ الْأَنْبِيَاءَ فِي الِابْتِهَالِ إِلَى رَبِّهَا الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ﴾ وَ"وراء" ها هنا بِمَعْنَى "أَمَامُ"، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ [الْكَهْفِ: ٧٩] ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا "وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ".أَيْ: مِنْ وَرَاءِ الْجَبَّارِ الْعَنِيدِ جَهَنَّمُ، أَيْ: هِيَ لَهُ بِالْمِرْصَادِ، يَسْكُنُهَا مُخَلَّدًا يَوْمَ الْمَعَادِ، وَيُعْرَضُ عليها غدوا وعشيا إلى يوم التناد.﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ أَيْ: فِي النَّارِ لَيْسَ لَهُ شَرَابٌ إِلَّا مِنْ حَمِيمٍ أَوْ غَسَّاقٍ، فَهَذَا(٨) فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَرْدِ وَالنَّتَنِ، كَمَا قَالَ: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٧، ٥٨] .وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ: الصَّدِيدُ: مِنَ الْقَيْحِ وَالدَّمِ.وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ مَا يُسِيلُ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الصَّدِيدُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِ الْكَافِرِ، قَدْ خَالَطَ الْقَيْحَ وَالدَّمَ.وَمِنْ حَدِيثِ شَهْر بْنِ حَوْشَب، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ"(٩) وَفِي رِوَايَةٍ: "عُصَارة أَهْلِ النَّارِ"(١٠) .وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُرْ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ﴾ قَالَ: "يُقَرَّبُ إِلَيْهِ فَيَتَكَرَّهُهُ، فَإِذَا أُدْنِيَ مِنْهُ شَوى وَجْهَهُ، وَوَقَعَتْ فَرْوَةُ رَأْسِهِ، فَإِذَا شَرِبَهُ قَطَّعَ أَمْعَاءَهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى(١١) ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ [مُحَمَّدٍ: ١٥] ، وَيَقُولُ: ﴿وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ﴾(١٢) [الْكَهْفِ: ٢٩] .وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، بِهِ(١٣) وَرَوَاهُ هُوَ وابن أبي حاتم: من حديث بَقِيَّة ابن الْوَلِيدِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، بِهِ(١٤) .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ أَيْ: يَتَغَصَّصُهُ وَيَتَكَرَّهُهُ، أَيْ: يَشْرَبُهُ قَهْرًا وَقَسْرًا، لَا يَضَعُهُ فِي فِيهِ(١٥) حَتَّى يَضْرِبَهُ الْمَلَكُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ﴾ [الْحَجِّ: ٢١] .﴿وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ أَيْ: يَزْدَرِدُهُ لِسُوءِ لَوْنِهِ وَطَعْمِهِ وَرِيحِهِ، وَحَرَارَتِهِ أَوْ بَرْدِهِ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ.﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ أَيْ: يَأْلَمُ لَهُ جَمِيعُ بَدَنِهِ وَجَوَارِحِهِ وَأَعْضَائِهِ.قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان: مِنْ كُلِّ عَظْمٍ، وَعِرْقٍ، وَعَصَبٍ.وَقَالَ عكرمة: حتى من أطراف شعره.وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مِنْ مَوْضِعِ كُلِّ شَعْرَةٍ، أَيْ: مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ أَيْ: مِنْ أَمَامِهِ وَوَرَائِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ(١٦) وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِ(١٧) وَمِنْ سَائِرِ أَعْضَاءِ جَسَدِهِ.وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ قَالَ: أَنْوَاعُ الْعَذَابِ الَّذِي يُعَذِّبُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَيْسَ مِنْهَا نَوْعٌ إِلَّا الْمَوْتُ يَأْتِيهِ مِنْهُ لَوْ كَانَ يَمُوتُ، وَلَكِنْ لَا يَمُوتُ؛ لَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا [كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ](١٨) ﴾ [فَاطِرٍ: ٣٦] .وَمَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ مَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنْ [هَذَا](١٩) الْعَذَابِ إِلَّا إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ اقْتَضَى أَنْ يَمُوتَ مِنْهُ لَوْ كَانَ يَمُوتُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَمُوتُ لِيَخْلُدَ فِي دَوَامِ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ أَيْ: وَلَهُ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْحَالِ عَذَابٌ آخَرُ غَلِيظٌ، أَيْ: مُؤْلِمٌ صَعْبٌ شَدِيدٌ أَغْلَظُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَدْهَى وَأَمَرُّ. وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإلَى الْجَحِيمِ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٦٤ -٦٨] ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ تَارَةً يَكُونُونَ فِي أَكْلِ زَقُّومٍ، وَتَارَةً فِي شُرْبِ حَمِيمٍ، وَتَارَةً يُرَدُّونَ إِلَى الْجَحِيمِ(٢٠) عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَكَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرَّحْمَنِ: ٤٣، ٤٤] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾ [الدُّخَانِ: ٤٣ -٥٠] ، وَقَالَ: ﴿وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لَا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٤١ -٤٤] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٥ -٥٨] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى تَنَوُّعِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ، وَتَكْرَارِهِ وَأَنْوَاعِهِ وَأَشْكَالِهِ، مِمَّا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، جَزَاءً وِفَاقًا، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٦] .

(١) في ت، أ: "فكان".
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) زيادة من ت، أ.
(٥) في ت: "لقوى" وهو خطأ.
(٦) في ت: "وعدى".
(٧) رواه أحمد في المسند (٣/٤٠) من حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ورواه الترمذي في السنن برقم (٢٥٧٤) مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب صحيح".
(٨) في ت، أ: "فهذا حار".
(٩) رواه أحمد في المسند (٦/٤٦٠) .
(١٠) وهي رواية أبي ذر، رضي الله عنه، رواها أحمد في المسند (٥/١٧١) .
(١١) في أ: "عز وجل".
(١٢) المسند (٥/٢٦٥) .
(١٣) تفسير الطبري (١٦/٥٤٩) ورواه الترمذي في السنن برقم (٢٥٨٣) من طريق عبد الله بن المبارك به، وقال: "هذا حديث غريب، وهكذا قال محمد بن إسماعيل عن عبيد الله بن بسر، ولا نعرف عبيد الله بن بسر إلا في هذا الحديث".
(١٤) ورواه الطبري في تفسيره (١٦/٥٥١) من طريق حيوة بن شريح عن بقية به.
(١٥) في ت: "لا يضعه في فمه" وفي أ: "لا يضيعه في فمه".
(١٦) في ت: "فوقهم".
(١٧) في ت: "أرجلهم".
(١٨) زيادة من أ.
(١٩) زيادة من ت، أ.
(٢٠) في ت: "جحيم".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2024

من سورة إبراهيم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٩
من سورة إبراهيم 
﴿أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ نَبَؤُا۟ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحࣲ وَعَادࣲ وَثَمُودَ وَٱلَّذِینَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا یَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤا۟ أَیۡدِیَهُمۡ فِیۤ أَفۡوَ ٰ⁠هِهِمۡ وَقَالُوۤا۟ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِی شَكࣲّ مِّمَّا تَدۡعُونَنَاۤ إِلَیۡهِ مُرِیبࣲ﴾ [إبراهيم ٩]

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذَا مِنْ تَمَامِ قِيلِ(١) موسى لقومه(٢) .يعني: وتذكاره إِيَّاهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ، بِانْتِقَامِهِ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ.وَفِيمَا قَالَ(٣) ابْنُ جَرِيرٍ نَظَرٌ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الأمة، فإنه قد قيل: إِنَّ قِصَّةَ عَادٍ وَثَمُودَ لَيْسَتْ فِي التَّوْرَاةِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ كَلَامِ مُوسَى لِقَوْمِهِ وقَصَه عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ(٤) أَنْ تَكُونَ هَاتَانِ الْقِصَّتَانِ فِي "التَّوْرَاةِ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ قَصَّ عَلَيْنَا خَبَرَ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ، مِمَّا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ(٥) إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، أَيْ: بِالْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ الْبَاهِرَاتِ الْقَاطِعَاتِ.وَقَالَ ابْنُ(٦) إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُ﴾ كَذَبَ النَّسَّابُونَ.وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا بَعْدَ مَعَدِ بْنِ عَدْنَانَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ أَشَارُوا إِلَى أَفْوَاهِ الرُّسُلِ يَأْمُرُونَهُمْ(٧) بِالسُّكُوتِ عَنْهُمْ، لَمَّا دَعَوْهُمْ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.وَقِيلَ: بَلْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ تَكْذِيبًا لَهُمْ.وَقِيلَ: بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ سُكُوتِهِمْ عَنْ جَوَابِ الرُّسُلِ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَقَتَادَةُ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ كَذَّبُوهُمْ وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ.قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَتَوْجِيهُهُ(٨) أَنَّ "فِي" ها هنا بِمَعْنَى "الْبَاءِ"، قَالَ: وَقَدْ سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ: "أَدْخَلَكَ اللَّهُ بِالْجَنَّةِ" يَعْنُونَ: فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:وَأَرْغَبُ فِيهَا عَن لَقيطٍ ورهْطه ... عَن سِنْبس لَسْتُ أرْغَب ...يُرِيدُ: أَرْغَبُ بِهَا(٩) .قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ مُجَاهِدٍ تَفْسِيرُ ذَلِكَ بِتَمَامِ الْكَلَامِ: ﴿وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ فَكَأَنَّ هَذَا [وَاللَّهُ أَعْلَمُ](١٠) تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى رَدِّ أَيْدِيهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ.وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ قَالَ: عَضُّوا عَلَيْهَا غَيْظًا.وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَبِي هُبَيرَْة ابْنِ مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَقَدِ اخْتَارَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مُخْتَارًا لَهُ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ: ﴿وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١١٩] .وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا سُمِعُوا كِتَابَ(١١) اللَّهِ عَجبوا، ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم.وَقَالُوا: ﴿إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ يَقُولُونَ: لَا نُصَدِّقُكُمْ فِيمَا جِئْتُمْ بِهِ؛ فَإِنَّ عِنْدَنَا فِيهِ شَكًّا قَوِيًّا.

(١) في أ: "قول".
(٢) تفسير الطبري (١٦/٥٢٩) .
(٣) في ت، أ: "قاله".
(٤) في ت، أ: "لأوشك".
(٥) في ت، أ: "عدده".
(٦) في ت: "أبو".
(٧) في ت: "يأمروهم".
(٨) في ت: "ويوجهه"
(٩) تفسير الطبري (١٦/٥٣٤) .
(١٠) زيادة من ت، أ.
(١١) في ت: "كلام".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الأربعاء، 6 نوفمبر 2024

من سورة إبراهيم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٦_٨
من سورة إبراهيم 
﴿وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ أَنجَىٰكُم مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ یَسُومُونَكُمۡ سُوۤءَ ٱلۡعَذَابِ وَیُذَبِّحُونَ أَبۡنَاۤءَكُمۡ وَیَسۡتَحۡیُونَ نِسَاۤءَكُمۡۚ وَفِی ذَ ٰ⁠لِكُم بَلَاۤءࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ عَظِیمࣱ (٦) وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَىِٕن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِیدَنَّكُمۡۖ وَلَىِٕن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدࣱ (٧) وَقَالَ مُوسَىٰۤ إِن تَكۡفُرُوۤا۟ أَنتُمۡ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ (٨)﴾ [إبراهيم ٦-٨]

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى، حِينَ ذَكَّر قَوْمَهُ بِأَيَّامِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ وَنِعَمَهُ عَلَيْهِمْ، إِذْ أَنْجَاهُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، وَمَا كَانُوا يَسُومُونَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْإِذْلَالِ، حِينَ(١) كَانُوا يَذْبَحُونَ مَنْ وُجِدَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ، وَيَتْرُكُونَ إِنَاثَهُمْ فَأَنْقَذَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ أَيْ: نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْهُ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ، أَنْتُمْ عَاجِزُونَ عَنِ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا.وَقِيلَ: وَفِيمَا كَانَ يَصْنَعُهُ بِكُمْ قَوْمُ فِرْعَوْنَ مِنْ تِلْكَ الْأَفَاعِيلِ ﴿بَلَاءٌ﴾ أَيِ: اخْتِبَارٌ عَظِيمٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هَذَا وَهَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٦٨] .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ أَيْ: آذَنَكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِوَعْدِهِ لَكُمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَإِذْ أَقْسَمَ رَبُّكُمْ وَآلَى بِعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ كَمَا قَالَ: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ](٢) ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٦٧] .
* * *وَقَوْلُهُ(٣) ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ﴾(٤) أَيْ: لَئِنْ شَكَرْتُمْ نِعْمَتِي(٥) عَلَيْكُمْ لِأَزِيدَنَّكُمْ مِنْهَا، ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ﴾ أَيْ: كَفَرْتُمُ النِّعَمَ وَسَتَرْتُمُوهَا وَجَحَدْتُمُوهَا، ﴿إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ وَذَلِكَ بِسَلْبِهَا عَنْهُمْ، وَعِقَابِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى كُفْرِهَا.وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ"(٦) .وَفِي الْمُسْنَدِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِهِ سَائِلٌ فَأَعْطَاهُ تَمْرَةً، فَتَسَخَّطها وَلَمْ يَقْبَلْهَا، ثُمَّ مَرَّ بِهِ آخَرُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَقَبِلَهَا وَقَالَ: تَمْرَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، أَوْ كَمَا قَالَ.قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْودُ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ الصَّيدلاني، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ سَائِلٌ فَأَمَرَ لَهُ بِتَمْرَةٍ فَلَمْ يَأْخُذْهَا -أَوْ: وَحِشَّ بِهَا -قَالَ: وَأَتَاهُ آخَرُ فَأَمَرَ لَهُ بِتَمْرَةٍ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَمْرَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: "اذْهَبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فأعطيه الأربعين درهما التي عِنْدَهَا".تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ(٧) .وَعُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ وَثَّقَهُ ابْنُ حبَّان، وَأَحْمَدُ، وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ(٨) وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صَالِحٌ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَة: لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يكتب حديثه وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، لَيْسَ بِالْمَتِينِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: رُبَّمَا يُضْطَرَبُ فِي حَدِيثِهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: رُوِيَ عَنْهُ أَحَادِيثُ مُنْكِرَةٌ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ بِذَاكَ. وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَا بَأْسَ بِهِ مِمَّنْ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ.
* * *وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ أَيْ: هُوَ غَنِيٌّ عَنْ شُكْرِ عِبَادِهِ، وَهُوَ الْحَمِيدُ الْمَحْمُودُ، وَإِنَّ كَفَرَهُ مَنْ كَفَرَهُ، كَمَا قَالَ: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزُّمَرِ: ٧] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [التَّغَابُنِ: ٦] .وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فيما يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ فِي(٩) مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي، لَوْ أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُونِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، إلا كما ينقُص المخْيَط إذا أدخل في الْبَحْرِ". فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(١٠) .

(١) في ت، أ: "حيث".
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) في ت، أ: "وقال ها هنا".
(٤) في ت، أ: "وإذ تأذن ربكم لئن".
(٥) في ت: "نعمة الله".
(٦) رواه أحمد في المسند (٥/٨٠) وابن ماجة في السنن برقم (٩٠) من حديث ثوبان رضي الله عنه، وحسنه العراقي كما في الزوائد للبوصيري (١/٦١) .
(٧) المسند (٣/١٥٤) .
(٨) في ت: "أحمد ويعقوب بن سفيان وابن حبان".
(٩) في ت، أ: "من".
(١٠) صحيح مسلم برقم (٢٥٧٧) .

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

من سورة إبراهيم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٥ من سورة إبراهيم 
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَیَّىٰمِ ٱللَّهِۚ إِنَّ فِی ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّكُلِّ صَبَّارࣲ شَكُورࣲ﴾ [إبراهيم ٥]

يَقُولُ تَعَالَى: وَكَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ وأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ، لِتُخْرِجَ النَّاسَ كُلَّهُمْ، تَدْعُوهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، كَذَلِكَ أَرْسَلْنَا مُوسَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بِآيَاتِنَا.قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِيَ التِّسْعُ الْآيَاتِ.﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ﴾ أَيْ: أَمَرْنَاهُ قَائِلِينَ لَهُ: ﴿أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ أَيِ: ادْعُهُمْ إِلَى الْخَيْرِ، لِيَخْرُجُوا مِنْ ظُلُمَاتِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ إِلَى نُورِ الْهُدَى وَبَصِيرَةِ الْإِيمَانِ.﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ أَيْ: بِأَيَادِيهِ ونعَمه عَلَيْهِمْ، فِي إِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ أَسْرِ فِرْعَوْنَ.وَقَهْرِهِ وَظُلْمِهِ وَغَشْمِهِ، وَإِنْجَائِهِ إِيَّاهُمْ مِنْ عَدْوِهِمْ، وَفَلْقِهِ لَهُمُ الْبَحْرَ، وَتَظْلِيلِهِ إِيَّاهُمْ بِالْغَمَامِ، وَإِنْزَالِهِ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ. قَالَ ذَلِكَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ حَيْثُ(١) قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ [عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ قَالَ: "بِنِعَمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى] "(٢) .[وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ](٣) وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانٍ، بِهِ(٤) وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ(٥) أَيْضًا مَوْقُوفًا(٦) وَهُوَ أَشْبَهُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ أَيْ: إِنَّ فِيمَا صَنَعْنَا بِأَوْلِيَائِنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ أَنْقَذْنَاهُمْ مِنْ يَدِ فِرْعَوْنَ، وَأَنْجَيْنَاهُمْ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ، لَعِبْرَةٌ لِكُلِّ صَبَّار، أَيْ: فِي الضَّرَّاءِ، شَكُورٌ، أَيْ: فِي السَّرَّاءِ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: نِعْمَ الْعَبْدُ، عَبْدٌ إِذَا ابتُلِي صَبَر، وَإِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ.وَكَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّه عَجَب، لَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكر فَكَانَ خيرا له"(٧) .

(١) في هـ: "في مسنده حديث قال" والمثبت من ت، أ.
(٢) زيادة من ت، أ، والمسند.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) زوائد المسند (٥/١٢٢) وتفسير الطبري (١٦/٥٢٢) .
(٥) في ت: "بن أحمد".
(٦) زوائد المسند (٥/١٢٢) .
(٧) صحيح مسلم برقم (٢٩٩٩) من حديث صهيب رضي الله عنه.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

من سورة إبراهيم

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٩
من سورة إبراهيم 
﴿أَلَمۡ یَأۡتِكُمۡ نَبَؤُا۟ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ قَوۡمِ نُوحࣲ وَعَادࣲ وَثَمُودَ وَٱلَّذِینَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَا یَعۡلَمُهُمۡ إِلَّا ٱللَّهُۚ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤا۟ أَیۡدِیَهُمۡ فِیۤ أَفۡوَ ٰ⁠هِهِمۡ وَقَالُوۤا۟ إِنَّا كَفَرۡنَا بِمَاۤ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِی شَكࣲّ مِّمَّا تَدۡعُونَنَاۤ إِلَیۡهِ مُرِیبࣲ﴾ [إبراهيم ٩]

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هَذَا مِنْ تَمَامِ قِيلِ(١) موسى لقومه(٢) .يعني: وتذكاره إِيَّاهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ، بِانْتِقَامِهِ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ.وَفِيمَا قَالَ(٣) ابْنُ جَرِيرٍ نَظَرٌ؛ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَبَرٌ مُسْتَأْنَفٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَذِهِ الأمة، فإنه قد قيل: إِنَّ قِصَّةَ عَادٍ وَثَمُودَ لَيْسَتْ فِي التَّوْرَاةِ، فَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ كَلَامِ مُوسَى لِقَوْمِهِ وقَصَه عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ(٤) أَنْ تَكُونَ هَاتَانِ الْقِصَّتَانِ فِي "التَّوْرَاةِ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ قَصَّ عَلَيْنَا خَبَرَ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ، مِمَّا لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ(٥) إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، أَيْ: بِالْحُجَجِ وَالدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ الْبَاهِرَاتِ الْقَاطِعَاتِ.وَقَالَ ابْنُ(٦) إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُ﴾ كَذَبَ النَّسَّابُونَ.وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا بَعْدَ مَعَدِ بْنِ عَدْنَانَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ أَشَارُوا إِلَى أَفْوَاهِ الرُّسُلِ يَأْمُرُونَهُمْ(٧) بِالسُّكُوتِ عَنْهُمْ، لَمَّا دَعَوْهُمْ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.وَقِيلَ: بَلْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ تَكْذِيبًا لَهُمْ.وَقِيلَ: بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ سُكُوتِهِمْ عَنْ جَوَابِ الرُّسُلِ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَقَتَادَةُ: مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ كَذَّبُوهُمْ وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ.قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَتَوْجِيهُهُ(٨) أَنَّ "فِي" ها هنا بِمَعْنَى "الْبَاءِ"، قَالَ: وَقَدْ سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ: "أَدْخَلَكَ اللَّهُ بِالْجَنَّةِ" يَعْنُونَ: فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:وَأَرْغَبُ فِيهَا عَن لَقيطٍ ورهْطه ... عَن سِنْبس لَسْتُ أرْغَب ...يُرِيدُ: أَرْغَبُ بِهَا(٩) .قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ مُجَاهِدٍ تَفْسِيرُ ذَلِكَ بِتَمَامِ الْكَلَامِ: ﴿وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ فَكَأَنَّ هَذَا [وَاللَّهُ أَعْلَمُ](١٠) تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى رَدِّ أَيْدِيهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ.وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ قَالَ: عَضُّوا عَلَيْهَا غَيْظًا.وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَبِي هُبَيرَْة ابْنِ مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا. وَقَدِ اخْتَارَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مُخْتَارًا لَهُ، بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ: ﴿وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ١١٩] .وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا سُمِعُوا كِتَابَ(١١) اللَّهِ عَجبوا، ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم.وَقَالُوا: ﴿إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ يَقُولُونَ: لَا نُصَدِّقُكُمْ فِيمَا جِئْتُمْ بِهِ؛ فَإِنَّ عِنْدَنَا فِيهِ شَكًّا قَوِيًّا.

(١) في أ: "قول".
(٢) تفسير الطبري (١٦/٥٢٩) .
(٣) في ت، أ: "قاله".
(٤) في ت، أ: "لأوشك".
(٥) في ت، أ: "عدده".
(٦) في ت: "أبو".
(٧) في ت: "يأمروهم".
(٨) في ت: "ويوجهه"
(٩) تفسير الطبري (١٦/٥٣٤) .
(١٠) زيادة من ت، أ.
(١١) في ت: "كلام".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الاثنين، 28 أكتوبر 2024

من سورة الرعد

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٣٨_٣٩
من سورة الرعد 
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلࣰا مِّن قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَ ٰ⁠جࣰا وَذُرِّیَّةࣰۚ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن یَأۡتِیَ بِـَٔایَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ (٣٨) یَمۡحُوا۟ ٱللَّهُ مَا یَشَاۤءُ وَیُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥۤ أُمُّ ٱلۡكِتَـٰبِ (٣٩)﴾ [الرعد ٣٨-٣٩]

يَقُولُ تَعَالَى: وَكَمَا أَرْسَلْنَاكَ، يَا مُحَمَّدُ، رَسُولًا بَشَرِيًّا(١) كَذَلِكَ [قَدْ](٢) بَعَثْنَا الْمُرْسَلِينَ قَبْلَكَ بَشَرًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَأْتُونَ الزَّوْجَاتِ، وَيُولَدُ لَهُمْ، وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذَرِّيَّةً، وَقَدْ قَالَ [اللَّهُ](٣) تَعَالَى لِأَشْرَفِ الرُّسُلِ وَخَاتَمِهِمْ: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الْكَهْفِ: ١١٠] .وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَآكُلُ الدَّسَمَ(٤) وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي".(٥)وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَنْبَأَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: التَّعَطُّرُ، وَالنِّكَاحُ، وَالسِّوَاكُ، وَالْحِنَّاءُ"(٦) .وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيع عَنْ حَفْصِ بْنِ غِياث، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبَى الشِّمَالِ(٧) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ. . . فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ يَذْكَرْ فِيهِ أَبُو الشَّمَالِ(٨)(٩) .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ أَيْ: لَمْ يَكُنْ يَأْتِي قومَه بِخَارِقٍ إِلَّا إِذَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ، لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، بَلْ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ أَيْ: لِكُلِّ مُدَّةٍ مَضْرُوبَةٍ كِتَابٌ مَكْتُوبٌ بِهَا، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ، ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الْحَجِّ: ٧٠](١٠) .وَكَانَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾ أَيْ: لِكُلِّ كِتَابٍ أَجَلٌ يَعْنِي(١١) لِكُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ مُدَّةٌ مَضْرُوبَةٌ عِنْدَ اللَّهِ وَمِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ، فَلِهَذَا يَمْحُو(١٢) مَا يَشَاءُ مِنْهَا وَيُثْبِتُ، يَعْنِي حَتَّى نُسِخَتْ كُلُّهَا بِالْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.وقوله: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ذلك، فقال الثوري، ووَكِيع، وهُشَيْم، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يُدَبِّرُ أَمْرَ السَّنَةِ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ، إِلَّا الشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، وَالْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. وَفِي رِوَايَةٍ: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ قَالَ: كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ، وَالشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ فَإِنَّهُمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُمَا.وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ إِلَّا الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ، وَالشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، فَإِنَّهُمَا لَا يَتَغَيَّرَانِ.وَقَالَ مَنْصُورٌ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا فَقُلْتُ: أَرَأَيْتَ دُعَاءَ أَحَدِنَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ، إِنْ كَانَ اسْمِي فِي السُّعَدَاءِ فَأَثْبِتْهُ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَشْقِيَاءِ فَامْحُهُ عَنْهُمْ وَاجْعَلْهُ فِي السُّعَدَاءِ. فَقَالَ: حَسَنٌ. ثُمَّ لَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ أَوْ أَكْثَرَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدُّخَانِ: ٣، ٤] قَالَ: يَقْضِي فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا يَكُونُ فِي السَّنة مِنْ رِزْقٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، ثُمَّ يُقَدِّمُ مَا(١٣) يَشَاءُ وَيُؤَخِّرُ مَا(١٤) يَشَاءُ، فَأَمَّا كِتَابُ الشَّقَاوَةِ(١٥) وَالسَّعَادَةِ فَهُوَ ثَابِتٌ لَا يُغير(١٦) .وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيق بْنِ سَلَمَةَ: إِنَّهُ كَانَ يَكْثُرُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ، إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا أَشْقِيَاءَ فَامْحُهُ، وَاكْتُبْنَا سُعَدَاءَ، وَإِنْ كُنْتَ كَتَبْتَنَا سُعَدَاءَ فَأَثْبِتْنَا، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ(١٧) .وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي حَكِيمَةَ(١٨) عِصْمَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدي؛ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهُوَ يَبْكِي: اللَّهُمَّ، إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ شِقْوَةً أَوْ ذَنْبًا فَامْحُهُ، فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ، وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ، فَاجْعَلْهُ سَعَادَةً وَمَغْفِرَةً.(١٩)وَقَالَ حَمَّادٌ عَنْ خَالِدٍ الحذَّاء، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ أَيْضًا.وَرَوَاهُ شَرِيكٌ، عَنْ هِلَالِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْم، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، بِمَثَلِهِ.وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا حجاج، حَدَّثَنَا خِصَافٌ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ؛ أَنَّ كَعْبًا قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَأَنْبَأْتُكَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾(٢٠) .وَمَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ: أَنَّ الْأَقْدَارَ يَنْسَخُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنْهَا، وَيُثْبِتُ مِنْهَا مَا يَشَاءُ، وَقَدْ يُسْتَأْنَسُ لِهَذَا الْقَوْلِ(٢١) بِمَا رَوَاهُ الإمام أحمد: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَهُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الجَعْد، عَنْ ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إن الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبه، وَلَا يَرُدُّ القَدَر إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ".وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهِ(٢٢) .وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ(٢٣) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "إِنَّ الدُّعَاءَ وَالْقَضَاءَ لَيَعْتَلِجَانِ(٢٤) بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ"(٢٥) .وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ لَوْحًا مَحْفُوظًا مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لَهَا دَفَّتَان مِنْ يَاقُوتٍ -وَالدَّفَّتَانِ: لَوْحَانِ -لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ [كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثُمِائَةٍ](٢٦) وَسِتُّونَ لَحْظَةً، يَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.(٢٧)وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرظي، عَنْ فُضَالة بْنِ عُبَيد، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " [إن الله](٢٨) يَفْتَحُ الذِّكْرَ فِي ثَلَاثِ سَاعَاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ، فِي السَّاعَةِ الْأُولَى مِنْهَا يَنْظُرُ فِي الذِّكْرِ الَّذِي لَا يَنْظُرُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ". وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.(٢٩)وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ قَالَ: يَمْحُو مِنَ الرِّزْقِ وَيَزِيدُ فِيهِ، وَيَمْحُو مِنَ الْأَجَلِ وَيَزِيدُ فِيهِ. فَقِيلَ لَهُ: مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو صَالِحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِئَابٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. ثُمَّ سُئِلَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: يُكْتَبُ الْقَوْلُ كُلُّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسَ، طُرِحَ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، مِثْلَ قَوْلِكَ: أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ، دَخَلْتُ وَخَرَجْتُ وَنَحْوِهِ مِنَ الْكَلَامِ، وَهُوَ صَادِقٌ، وَيُثْبَتُ مَا كَانَ فِيهِ الثَّوَابُ، وَعَلَيْهِ الْعِقَابُ.(٣٠)وَقَالَ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْكِتَابُ كِتَابَانِ: فَكُتَّابٌ يَمْحُو اللَّهُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ يقول: هو الرَّجُلُ يَعْمَلُ الزَّمَانَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، ثُمَّ يَعُودُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَيَمُوتُ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَهُوَ الَّذِي يَمْحُو -وَالَّذِي يُثْبِتُ: الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَقَدْ كَانَ سَبَقَ لَهُ خَيْرٌ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَهُوَ الَّذِي يُثْبِتُ.وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير: أَنَّهَا بِمَعْنَى: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٤] .وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ يَقُولُ: يُبَدِّلُ مَا يَشَاءُ فَيَنْسَخُهُ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يُبَدِّلُهُ، ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ يَقُولُ: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، النَّاسِخُ، وَالْمَنْسُوخُ، وَمَا يُبَدِّلُ، وَمَا يُثْبِتُ كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ.وَقَالَ قتادة في قوله: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٠٦]وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ﴾ قَالَ: قَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ حِينَ أُنْزِلَتْ: ﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ مَا نَرَاكَ يَا مُحَمَّدُ تَمْلِكُ مِنْ شَيْءٍ، وَلَقَدْ فُرغ مِنَ الْأَمْرِ. فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَخْوِيفًا، وَوَعِيدًا لَهُمْ: إِنَّا إِنْ شِئْنَا أَحْدَثْنَا لَهُ مِنْ أَمْرِنَا مَا شِئْنَا، وَنُحْدِثُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَنَمْحُو وَنُثْبِتُ(٣١) مَا نَشَاءُ مِنْ أَرْزَاقِ النَّاسِ وَمَصَائِبِهِمْ، وَمَا نُعْطِيهِمْ، وَمَا نَقْسِمُ لَهُمْ.وَقَالَ الحسن البصري: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ قَالَ: مَنْ جَاءَ أَجْلُهُ، فَذَهَب، وَيُثْبِتُ الَّذِي هُوَ حَيٌّ يَجْرِي إِلَى أَجْلِهِ.وَقَدِ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ قَالَ: الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ.وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ جُمْلَةُ الْكِتَابِ وَأَصْلُهُ.وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ قَالَ: كِتَابٌ عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ.وَقَالَ سُنَيد بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنِي مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَيَّار، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ "أُمِّ الْكِتَابِ"، فَقَالَ: عَلِم اللَّهُ، مَا هُوَ خَالِقٌ، وَمَا خَلْقُه عَامِلُونَ، ثُمَّ قَالَ(٣٢) لِعِلْمِهِ: "كُنْ كِتَابًا". فَكَانَا(٣٣) كِتَابًا.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ قال: الذكر، [والله أعلم] .(٣٤)

(١) في أ: "بشرا".
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) زيادة من ت، أ.
(٤) في ت، أ: "اللحم".
(٥) صحيح البخاري برقم (٥٠٦٣) وصحيح مسلم برقم (١٤٠١) وليس فيهما: "وآكل الدسم".
(٦) المسند (٥/٤٢١) .
(٧) في أ: "أبي السماك".
(٨) في أ: "أبو السماك".
(٩) سنن الترمذي برقم (١٠٨٠) .
(١٠) في ت، أ: "السموات" وهو خطأ.
(١١) في ت، أ: "بمعنى".
(١٢) في ت: "يمحى".
(١٣) في ت: "من".
(١٤) في ت: "من".
(١٥) في ت: "الشقاء".
(١٦) رواه الطبري في تفسيره (١٦/٤٨٠) .
(١٧) رواه الطبري في تفسيره (١٦/٤٨١) .
(١٨) في أ: "أبي حكيم".
(١٩) تفسير الطبري (١٦/٤٨١) .
(٢٠) تفسير الطبري (١٦/٤٨٤) .
(٢١) في أ: "الأقوال".
(٢٢) المسند (٥/٢٢٧) وسنن ابن ماجة برقم (٩٠) .
(٢٣) صحيح مسلم برقم (٢٥٥٧) من حديث أنس ولفظه: "من سره أن يبسط عليه رزقه، أو ينسأ في أثره، فليصل رحمه".
(٢٤) في ت، أ: "ليتعلجان".
(٢٥) لم أعثر عليه بهذا اللفظ.
(٢٦) زيادة من تفسير الطبري، ومكانه في هـ، ت، أ: "ثلاث".
(٢٧) تفسير الطبري (١٦/٤٨٩) .
(٢٨) زيادة من ت، أ، والطبري.
(٢٩) تفسير الطبري (١٦/٤٨٨) .
(٣٠) رواه الطبري في تفسيره (١٦/٤٨٤) .
(٣١) في ت، أ: "فيمحو ويثبت".
(٣٢) في ت، أ: "فقال".
(٣٣) في ت، أ: "فكان".
(٣٤) زيادة من أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))